في عالم الاكاديميا يطرح السؤال التالي: هل على القارئ ان يطلع على كم هائل من المواد, الدراسات والابحاث قبل التوجه للرواية, القصيدة والمسرحية؟ بكلمات اخرى, هل على القارئ ان يكون ملم بالاساطير اليونانية, بالنظرية النيوتونية, بالثورة الصينية, التحليل النفسي لفرويد والاشتراكية لماركس قبل قراءة رواية معينة؟ هل عليه ان يقرا عن تاريخ الاسلام قبل محاولة فك رموز القصة؟ او باصول اللغة والتجديدات في عالم اللغويات, الموسيقى او الفن؟ اين يرسم الحد لما هو مطلوب واجباري او امكاني ومحبذ؟
كوني طالبة للادب الانجليزي فقد كنت محظوظة بان اطلع على كم هائل من جعبة الادب البشرية تتمتد من افلاطون وجلجامش وحتى كامو, باول اوستير وابراهيم نصر الله. انتهيت لتوي من قراءة رواية هشام نفاع “لوزها المر”. رواية ما تقارب 100 صفحة. عادة عندما اذكر رواية, احب ان ازود القارئ بخلفية موجزة عن احداث القصة. للاسف بودي ان اقوم بهذا الامر الا ان, الان وبعد مرور 10 دقائق على انهائي للرواية, لا استطيع ان اوفر امر كهذا. اختلطت الامور, الشخصيات, الراوي, الوصف والمناجاة. ان التشعب والقفز بين الاسئلة الوجودية حاك خيوط تقاطعت وتعقدت. الخوف الوجودي دائما في الخلفية. أنا لست ضد القلق الوجودي, بل العكس ان هذا القلق هو اصدق تجارب الحياة واعنفها. ولكن. ولكن غياب الحبكة, الشخصيات, الاحداث, والتسلسلية اضر بالرواية اكثر مما نفعها. بالرغم من ان الكاتب قد نجح بسرد هذا المونولوج المعقد, وقد نجح بسبر نوايا ذاته الكتابية وحفر عميقا في تجربة الوجود والكتابة, الا انني اؤمن انه بالذات دور القصة بعناصرها الاساسية ان تقودنا ان نسال هذه الاسئلة. بكلمات اخرى, في الرواية يناجي الكاتب نفسه: “هل انا جسدي؟ هل للوجود قيمة؟ هل..” جميع هذه الاسئلة الفلسفية, الصعبة, والقيمة طُرحت بشكل مباشر من قبل الراوي او الشخصية المتحدثة, او كلاهما. تخيلوا معي لو ان القصة سردت احداثا التي يمكن للقارئ التواصل معها, والتي بدورها توصل القارئ ليسال نفسه هذا السؤال؟ او هذه الاسئلة؟ أنا اعتقد ان التجربة الاخيرة, على فرض وقوعها في الحقيقة, لسوف تكون تجربة اعمق واقوى وتترك اثر اكبر.
مجددا أنا لست مجللة ادبية ولست باحثة ادبية, ولكنني قارئة شرهة وعميقة, اريد ان اشعر ان هناك شخص اخر يخوض هذه المعركة الوجودية, اريد ان ارى الاحداث والزمان والمكان وان اوصل النقاط والحروف لاصل لاستنتاج او سؤال واصرخ “وجدتها! وجدتها!”. أن هذا النقد لا يخص رواية “لوزها المر” بشكل خاص, انما بشكل عام اتجاه الرواية التي انهمكت بتكثيف التجربة, بالوصف الدقيق والحسي, حتى انها نسيت ارضاء رغبة القارئ بفهم التجربة, بتبسيطها وتحليلها واخضاعها للمنطق او لرفضها للمنطق او القيم التي يحملها القارئ.